المغرب وحرية ممارسة التجارة: قراءة في وضعية “المسير الحر” بين القانون التجاري وقانون الشغل
يُعد المغرب من بين الدول التي اختارت دسترة الحريات المتعلقة بممارسة الأنشطة التجارية، حيث ينص الفصل 35 من أسمى وثيقة قانونية في البلاد، في فقرته الأولى، على ما يلي:
«تضمن الدولة حرية المبادرة وحرية المنافسة».
ومنذ أولى المحاولات لتقنين الأنشطة التجارية، أصبح من المسلم به أن أعراف ريادة الأعمال تُنتج مؤسسات متعددة ومختلفة، لتتدخل بعد ذلك القوانين لتنظيم بنيتها وسيرها وتفاعلها. ومع ذلك، لا يخلو هذا المسار من بعض الغموض، كما هو الحال بالنسبة لوضعية “المسير الحر” التي قد تختلط أحياناً بوضعية “مسير الشركة” أو “الأجير”، الأمر الذي يفرض قراءة قانونية تمهيدية لتوضيح هذه المفاهيم.
وفي هذا السياق، ينص الفصل 152 من مدونة التجارة على ما يلي :
«كل عقد يُفوّت بموجبه مالك أو مستغل الأصل التجاري كليًا أو جزئيًا استغلاله إلى مسير يقوم بتسييره على مسؤوليته وتحت مخاطره، يخضع للأحكام التالية».
في حين ينص الفصل 153 من نفس المدونة على ما يلي :
«يكتسب المسير الحر صفة التاجر، ويخضع لجميع الالتزامات المترتبة عن ذلك».
تُبرز هاتان المادتان مبدأين أساسيين:
-
الأول هو ضرورة وجود عقد مكتوب بين مالك الأصل التجاري والمسير الحر، يُعرف باسم عقد التسيير الحر.
-
الثاني هو أن هذا العقد يُكسب حامله صفة التاجر بكل ما تحمله من حقوق وواجبات.
وهذا ما أكده القرار عدد 323/2022 الصادر بتاريخ 06/04/2022 في الملف عدد 2540/5/2/2019، حيث أوضحت محكمة النقض ما يلي :
«عقد التسيير الحر كما هو منصوص عليه في المواد من 152 إلى 158 من مدونة التجارة، هو كل عقد يُفوّت بموجبه مالك أو مستغل أصل تجاري استغلاله كليًا أو جزئيًا إلى مسير حر يقوم بتسييره تحت مسؤوليته الخاصة».
ونفس التوجه جاء في القرار عدد 188/2023 بتاريخ 15/03/2023 في الملف عدد 926/3/2/2020، حيث جاء فيه :
«أحسنت المحكمة في تعليل قرارها حين رفضت الأخذ بعين الاعتبار بالعقد الشفوي، رغم إمكانية إثباته بالشهادات، وذلك استناداً إلى القانون الذي يشترط وجود عقد مكتوب في إطار التسيير الحر».
يتضح من هذه المقتضيات أن المسير الحر لا يمكن الخلط بينه وبين مسير الشركة، فهما وضعيتان مختلفتان جذريًا سواء من الناحية النظرية أو التطبيقية في الواقع التجاري.
وبعد توضيح الفرق بين المسير الحر ومسير الشركة، يُطرح السؤال حول الفرق بين المسير الحر والأجير.
وقد عرضت هذه الإشكالية على محكمة النقض في مناسبات عدة، كما هو الحال في القرار عدد 48/2022 بتاريخ 18/01/2022 في الملف عدد 831/1/5/2021، الذي جاء فيه :
«عندما اعتبرت المحكمة أن عقد التسيير الحر، الذي بدأ تنفيذه فعلياً، يُشكل عقدًا جديدًا ينهي علاقة الشغل السابقة من حيث طبيعتها ومدتها، على اعتبار أن عناصر علاقة الشغل من تبعية ومراقبة وتوجيه وأداء الأجر لم تعد قائمة، فإنها بنت قرارها على أساس قانوني وتعليل كافٍ».
وكذلك في القرار عدد 37/2023 بتاريخ 18/01/2022 في الملف عدد 302/5/1/2021، حيث جاء فيه :
«المعيار الفارق بين عقد التسيير الحر وعقد الشغل يتمثل في عنصري التبعية والمراقبة. وبالإضافة إلى عدم تقديم المدعي لأي دليل على وجود عقد مكتوب للتسيير الحر بينه وبين المدعى عليه، وفقًا لما تنص عليه المواد من 152 وما يليها من مدونة التجارة، فإن شاهدي المدعي الذين تم الاستماع إليهم في المرحلة الابتدائية أكدوا وجود علاقة شغل قانونية تتوفر على التبعية والمراقبة وأداء الأجر، مما يُفند ادعاء المشغل بأنه غير مرتبط إلا بعقد تسيير حر».
وتُستخلص من هذين القرارين – اللذَين يُعدّان جزءًا من سلسلة من الاجتهادات القضائية لمحكمة النقض – قاعدتان أساسيتان:
-
أن المسير الحر لا يمكن اعتباره أجيرًا، نظراً لكون وضعيته القانونية تخضع لشكليات قانونية إلزامية، وعلى العكس من علاقة الشغل التي يمكن إثباتها بجميع وسائل الإثبات، وفقًا للمادة 18 من مدونة الشغل.
-
أن ما يُميز الأجير هو كونه خاضعًا لتبعية مشغله، موجّهًا ومؤدى له من طرفه، وهو ما يتناقض مع طبيعة النشاط التجاري للمسير الحر، الذي لا يتلقى توجيهًا أو أجراً من صاحب الأصل التجاري، ولا يخضع لتبعيته.
وفي ضوء ما سبق، يجب التأكيد على أن التسيير الحر يُعد نشاطًا تجاريًا مستقلاً بذاته، له نظامه القانوني الخاص، ويجب عدم الخلط بينه وبين المفاهيم المجاورة له.