حرية المعتقد أم خطأ جسيم : هل يجب الصلاة في مكان العمل ؟

« الإسلام هو دين الدولة، الذي يضمن للجميع حرية ممارسة الشعائر الدينية ».

هذا ما ينص عليه الفصل الثالث من الدستور المغربي، الذي يؤكد على ضمان حق كل مواطن في ممارسة الشعائر الدينية بحرية تامة، مهما كانت ديانته أو معتقده.

لكن، لا بد من الإشارة إلى أنه في كل مجتمع منظم، من الضروري وضع قواعد للسلوك، وواجبات، أو ما يُعرف عموماً بالقوانين. وإذا كان من الشائع أن تتلاقى القاعدة القانونية مع القاعدة الأخلاقية، بحكم أن الهدف المشترك بينهما هو تنظيم الحياة المشتركة بين الأفراد داخل نفس الجماعة، إلا أنه في بعض الأحيان قد يحدث تعارض بينهما.

فرغم أن حرية العبادة مضمونة دستوريًا ونظرًا تُعتبر مطلقة، إلا أنها قد تخضع لتقييدات ناتجة عن المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة ما يتعلق بضرورة الامتثال لمعايير السلوك الخاصة بوضعية الأجير. حيث يُخضع هذا الأخير لمقتضيات مدونة الشغل، التي تنص في مادتها 21 على ما يلي:
«يخضع الأجير لسلطة المشغل في إطار الأحكام التشريعية أو التنظيمية، أو عقد الشغل أو الاتفاقية الجماعية أو النظام الداخلي للمقاولة.»

ومن هنا يُطرح السؤال: هل يمكن لحق الأجير في ممارسة الشعائر الدينية أن يتعارض مع حق المشغل في ممارسة سلطته على الأجير خلال ساعات العمل؟ وهل من حق المشغل، انطلاقاً من هذه السلطة، تنظيم العمل وإعادة تنظيمه بالشكل الذي يمكنه من تقييد أو حتى منع الأجير من ممارسة شعائره الدينية أثناء وقت العمل؟

غالباً ما تتصادم مثل هذه الضرورات أمام القضاء، ما يستدعي تدخل محكمة النقض لتحديد أو إعادة تحديد مفاهيم كنا نعتقد أنها واضحة، ولرسم الحدود الفاصلة بين ممارسة الحق المشروع واستعماله بشكل تعسفي.

وهكذا جاء في الملف رقم 687/5/1/2017 أن محكمة النقض أصدرت بتاريخ 23/10/2018 القرار رقم 964 الذي جاء فيه:

«حيث إن محكمة الاستئناف مخولة قانوناً لتقدير جسامة الخطأ، وعندما اعتبرت أن غياب الأجير لأداء صلاة الجمعة لم يكن السبب المباشر في الأضرار التي لحقت بالمقاولة، على اعتبار أن النظام الداخلي للمقاولة ينص على أنه في حال غياب الأجير المختص، تقوم الشركة بتعيين بديل لتأمين التزويد بالفيول، وأن الشركة لما أعطت الأمر لأجير آخر فإنها تتحمل المسؤولية الكاملة عن الضرر، وأن الأجير لم يرتكب خطأ جسيماً بغيابه لأداء صلاة الجمعة، التي تُعد واجباً دينياً، فإن محكمة الاستئناف قد أسست قرارها على تعليل سليم.»

وبناءً على هذا القرار، رفعت محكمة النقض المسؤولية عن الأجير فيما يتعلق بالأضرار التي لحقت بمشغله نتيجة غيابه لأداء صلاة الجمعة، واعتبرت أن المسؤولية تقع على عاتق الضحية نفسها (أي المشغّل). وهكذا فإن المشغل في هذه الحالة كان هو الضحية والمسؤول عن الضرر في الوقت نفسه، بينما تمت تبرئة الأجير بالكامل من أي خطأ جسيم يُمكن أن يبرر فصله من العمل.

في المقابل، صدر قرار آخر لمحكمة النقض تحت رقم 552 بتاريخ 16/04/2019 في الملف رقم 2169/5/1/2017، وقد جاء فيه ما يلي:

«حيث إنه من المقبول قانوناً أن للمشغل الحق في مراقبة ومتابعة تنفيذ العمل خلال ساعات الشغل.
وحيث إن المشغّل الذي منع الأجير من الذهاب للاستعداد للصلاة على الساعة 19:00، بعد أن فات وقت الصلاة حسب شهادة الشاهد م.م، فإنه لم يحرم الأجير من حقه في أداء الصلاة.
وحيث إن محكمة الاستئناف، عندما اعتبرت أن حق الصلاة هو حق شخصي لا يمكن المساس به، لم تأخذ بعين الاعتبار أن الصلاة لها أوقات محددة، وأن تنفيذ العمل له بدوره توقيت دقيق، ولم تأخذ بعين الاعتبار مقتضيات المادتين 20 و21 من مدونة الشغل، ولم تبنِ قرارها على أساس سليم، ولم تُعلل حكمها بشكل كافٍ، مما يجعل قرارها عرضة للنقض.»

وبموجب هذا القرار، اعتبرت محكمة النقض أن المشغل من حقه أن يُقيد ممارسة الشعائر الدينية ضمن توقيت معين، وأن هذا التقييد يدخل في إطار سلطته في المراقبة والتنظيم التي يخولها له القانون بصفته مشغلاً. وبالتالي، فإن الأجير الذي يرفض الامتثال لتعليمات مشغله يكون قد ارتكب مخالفة، ويُعد قانونياً مسؤولاً عن فسخ عقد الشغل.

وفي الختام، يجب التأكيد على أن التمتع السلمي بممارسة أي حق، حتى وإن كان مضمونا دستورياً، لا يمكن تفسيره كذريعة لاستعمال ذلك الحق بشكل تعسفي، ولا كدعوة لاستغلاله للإضرار بمصالح الآخرين المشروعة.

Me. Adil Daoui